في فيلم “شماريخ” للمخرج عمرو سلامة، القصة فيها بتاخدنا لمدينة شبه “غوثام” اللي كان فيها الجوكر، آرثر فليك، في الفيلم الكبير اللي اتعرض. المدينة دي مليانة ظلم وشرور. الستات فيها بيتم بيعهم واستغلالهم بأوامر من الرجالة الكبار، وفي قلبهم الأب، اللي ظاهر كأنه الحاكم الأوحد وهو اللي بيحط القوانين بتاعته، وخلاص عمل حالة من الفوضى ملهاش قانون في العالم برة ده.
زي ما الجوكر قابل مشاكل في غوثام، خالد الصاوي، اللي بيلعب دور سليم العاهل، لاقى نفسه في مواجهة مع الشر اللي زاد عن حده وهدد استقرار وأمن مملكته. “شماريخ” فيلم فيه غضب وتوتر. على الرغم من إن المخرج بيقول إنه مجرد فيلم للتسلية، لكن لما بتفكر فيه تلاقي فيه معاني أعمق. العاهل عنده شركة لإنتاج المتفجرات، والألعاب النارية اللي ظهرت في أول الفيلم بتفكرنا بفيلم “أوبنهايمر” وحلم العالِم الكبير بالقنبلة الذرية اللي غيرت التاريخ.
رؤوف (آسر ياسين) وأمينة (أمينة خليل)، الأبطال الأساسيين في الفيلم، مش بيحاولوا يعملوا قنابل ذرية ولا يأثروا في التاريخ. هما على العكس، بيدوروا على الطاعة لتقاليدهم وموروثاتهم، سواء كانت كويسة أو وحشة، ومتمسكين بأبوهم حتى لو كانوا فاسدين. ودا بيفضل كده لحد ما القدر يقلب الموازين.
“شماريخ” لعمرو سلامة مش بعيد عن حبه للسينما الأمريكية. في الفيلم ده، العالم المظلم لسليم العاهل وصراع ابنيه ممكن يبان كأنه مجرد خلفية لمشاهد الانفجارات والمطاردات. لكن مش من العدل نقول إن الفيلم مش أكتر من كده. عمرو سلامة دايمًا بيهتم بمواضيع زي العلاقات العائلية، ودا بيظهر في أفلامه.
مثلاً في “زي النهارده”، شوفنا التأثير الوحش للأخ المدمن، اللي كان بيلعب دوره آسر ياسين، على حياة شقيقته بسمة. وفي “الشيخ جاكسون”، العلاقة المتوترة مع الأب كان ليها دور كبير في حياة البطل. في “شماريخ”، القصة بتركز على العلاقة مع الأب وكمان مع الأخ، في عيلة قريب تكون انتهت.
رؤوف، أو “بارود” زي ما بيسموه في الفيلم، هو الابن الغير شرعي لسليم العاهل. رؤوف كان بيكافح لوحده بعد ما أمه انتحرت علشان يحصل على اعتراف أبوه بيه. على الناحية التانية، فيه ابن تاني شرعي للأب، اسمه فارس، بيلعب دوره آدم الشرقاوي، والفيلم عرضه زي الشرير المثالي، مع تصرفاته العنيفة واستعداده الدايم للعنف والاغتصاب، ودا سلوك متورث من الأب. فارس كمان بيظهر ببرود شديد تجاه القتل، سواء للحيوانات أو البشر، مهما كانت علاقته بيهم.
ومن الواضح إن رؤوف، اللي شخصيته مبنية على كونه ابن الجارية المغتصبة، ورث من أمه الطيبة والرحمة، بينما فارس، الابن الشرعي للأب، أخد من أمه المتواطئة مع الأب طباعه العنيفة، وكمان تأثر بشخصية أبوه سليم العاهل. الأب ده بيخطف الستات وبيبعت ابنه رؤوف يقتل الرجالة، زي ما حصل مع أبو أمينة، اللي سامي مغاوري بيلعب دوره. رؤوف قابل أمينة لأول مرة في أول مشهد في الفيلم، وهو متخفي ورا قناع، وهي بتظهر بوجهها المصدوم لما شافت أبوها بيموت.
رؤوف، اللي كان بيتبع أوامر سليم العاهل علشان يقتل أبو أمينة ويحصل على اعترافه، مبينش عليه القسوة أو البرود لما شاف أمينة واقعة على الأرض. بالعكس، قرر ينقذها، يمكن لأنه شاف فيها حاجة من الطيبة اللي كانت في أمه واللي خلتها تنتحر علشان تهرب من الظلم اللي سليم العاهل بيزرعه في كل مكان، بعد ما خلفت رؤوف.
في السياق ده، عمرو سلامة قدم شخصيتين متناقضتين: رؤوف اللي بيحارب صراع داخلي بين الخير والشر، وأمينة اللي بتتحمل مسؤولية الانتقام من قاتل أبوها وتقديمه للعدالة بإستخدام مهارتها كمحامية، من غير ما تعرف إن المنقذ اللي بيظهر دايمًا علشان يحميها ممكن يكون هو قاتل أبوها. وكمان هي مش عارفة الأنشطة السرية اللي كان بيعملها أبوها واللي وصلته بعالم سليم العاهل.
من المفروض إن اللقاء بين رؤوف وأمينة يقدم لنا رحلة سينمائية بتعرض قصة حب تخفف من الظلام اللي في الفيلم، وتدي لرؤوف دافع يحارب بيه الظلم ويحمي حبيبته. المرة دي، عمرو سلامة استعان بخبير كوري علشان يصمم مشاهد الحركة، فالأكشن جه بطريقة كورية في فيلم أمريكي الروح.
“شماريخ” فيلم بيتميز بجودته البصرية العالية، وبيعرض مجموعة متنوعة من أماكن التصوير ومعارك متقنة، وبيأكد على انتصار البطل في كل المواجهات، اللي هي سمة شائعة في الأفلام بمختلف ثقافاتها. الفيلم كمان بيعرض مظاهر الظلم والقهر اللي بتتعرض له الستات والحيوانات، وكأنه بيعكس بطريقة ساخرة الوضع في الشرق الأوسط. ممكن يكون عمرو سلامة مش هيحب الكلام ده، بس في الآخر السينما بتعكس الزمن اللي اتعملت فيه ودا سبب من الأسباب اللي بتخلينا نحب السينما ونقدرها.
رحلة رؤوف وأمينة في الفيلم ممكن تكون في جوهرها بحث عن الذات والهوية الشخصية، بعيدًا عن الجذور أو الماضي أو الأسباب العميقة. دي رحلة بحث عن الذوات اللي تجاهلها العالم الخارجي ومعترفش بيها، مركزين على الحاضر والحاجة للدفء والجمال والحب والأمل في مستقبل أحسن. المعنى ده بيتجلى في الكلمات اللي قالتها أمينة في مشهد الانفجار الكبير اللي كان من المفروض ينهي حياتهم: “أنا برفض أننا نموت دلوقتي!”. النهاية دي المؤقتة لعالم البطلين، اللي العالم الخارجي مش مهتم بيها أصلاً، كانت الطريقة الوحيدة لبناء عالم جديد تاني، أكثر رومانسية ومثالية، ويمكن خيالية كمان. دي الحلول الفردية اللي لقى كل واحد فيهم طريقه ليها.