أغنية تكشف عورات العالم وتكشف عن تحيّزاته، ينطلق المستمع في رحلة فكشف الألغاز مع بداية نغماتها الأولى التي تنادي: “ينقذ بسلاحف بحريّة… يقتل حيوانات بشريّة… تلك قضيّة وتلك قضيّة”. فهي ليست مجرّد كلمات تبحث عن تعاطف الجمهور، بل هي مرآة تعكس وجه العالم المشوّه والمتسخ، تكشف الأغنية عن وجهه الحقيقي، وتجعله يظهر كما هو، محترقاً ومشوّهاً.
في قمة المناخ، أُطلقت “تلك القضية”، وكان العالم يبدو كالإنسان الذي يجري تطهير نفسه وفي يده راية السلام، لكن بالضرورة علينا السخرية. إن الأغنية توجه السخرية للمتباهين بأعياد الأناقة والتميّز والمشاركين في المؤتمرات الدولية. كما تسخر من مختبرات صناعة القرار الغربية التي تدّعي حماية الإنسانية والبيئة بينما تسهل جرائم القتل والتدمير.
في عبارة “يقتل حيوانات بشرية”، تتجلى السخرية من الغرب، الذي يفرض معايير مزدوجة ويستغل الإنسانية حسب رغبته. ففي الغرب، الإنسان المتقدم يُقدّر، بينما في الشرق الأوسط، يعامل الإنسان كحيوان لا قيمة له، جاهلاً بحقوقه ومعتبراً إياه ككتلة لحم مستهدفة للقتل والتجاوز على كرامته. تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت تجسّد هذا النهج، حيث وصف سكان غزة بأنهم “حيوانات بشرية” وأمر بقتلهم، وسط تواطؤ من عدة دول غربية وعربية.
“تلك القضية” تكشف العنصرية والازدواجية التي تتبناها الإدارات الأمريكية، والتي تتجاوز كل القيم الإنسانية لحماية حقوق الإنسان والحياة. وتبرز استخدام أمريكا لحق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع وقف إطلاق النار في غزة، مما يؤكد زيف التزامها بالعدالة وحقوق الإنسان.
منذ لحظة بداية الأغنية، يغمر المستمع شعور غريب، كمن يجلس في قاعة محكمة مظلمة، مكبّل اليدين، والقلب مثقلاً بألم فلسطين. وتساهم كلمات الأغنية وصوت أمير عيد في نقل هذا الألم وجعله ملموساً، والموسيقى تعزّز هذه المشاعر وتجعل الإنسان يتذكر جوانب من إنسانيته التي قد تجاهلها.
مصطفى إبراهيم، كاتب كلمات الأغنية، يبرع في تشكيل الكلمات ببراعة تصف روح الثورة وتعبيرها. فتلك الكلمات، تتنوع بين اللغة الفصحى والعامية المصرية، مع استخدام كلمات بسيطة لكنها عميقة المعنى. وهذه الحنكة في الصياغة تضفي على الأغنية طابعاً جديداً من القوة والعمق.
“تلك القضية” ليست مجرد أغنية، بل هي قاعة محكمة حقيقية، حيث يقف الإنسان متهماً ومُحاكماً في نفس الوقت. فإذا كانت تلك الأغنية تتلاعب بالمشاعر، فهي أيضاً تدفعنا إلى النظر في أعماق الإنسانية ومسؤوليتنا تجاه الآخرين.
في ختام الأغنية، يبقى السؤال معلقاً في الهواء: “من أين طريق الحرية؟” و”كيف يسير قانون الغابة؟”، مُشيرة إلى الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال والقمع، دون احترام لحقوقهم الإنسانية.
إن “تلك القضية” تطرح تساؤلات هامة حول فاعلية وسير القوانين الإنسانية، وتكشف عن زيف المواقف والمعايير التي يتبناها العالم. إنها دعوة للتفكير العميق والنظر بعمق في أخلاقياتنا وتصرفاتنا تجاه الآخرين، فالعمق لا يكمن في الكلمات فقط، بل في التصرفات والقرارات التي نتخذها.