السينما المصرية غنية بأفلام وعظية حلوة أوي، اللي فيها أحداث القدر بتلعب دور كبير وبتأثر في الجمهور. الناس بتعيش مع الأفلام دي لحظات الكفاح والنجاح اللي بيخوضها الأبطال، وبيحسوا بالرضا لما بيشوفوا الأبطال دول بيكافحوا علشان يحافظوا على المبادئ اللي مؤمنين بيها. ومن ضمن القصص دي، قصة غادة، اللي ظروفها دفعتها تشتغل في شغلانة مش كويسة، واستغلت جمالها وكونها ست. غادة استمرت كده لسنين طويلة، لحد ما قررت تتوب وتبدأ حياة جديدة، وشغلت كبائعة عقارات، وركزت على هدف واحد: أداء مناسك الحج علشان تأكد على توبتها وتطهيرها.
غادة في فيلم “رحلة ٤٠٤” بتلعب دور محوري جدًا. مع إنها البطلة الأساسية، بس الحكاية في الفيلم بتخليها معيار نقيس عليه شخصيات تانية. عكس الطريقة التقليدية اللي بتخلي الشخصيات الثانوية بتفيد الشخصية الرئيسية، غادة هي اللي بتكشف طبيعة الناس اللي حواليها والملحوظ أوي إن خيارات غادة في الفيلم محدودة، وغالبًا هي مش اللي بتقرر، بالعكس، الرجالة والستات في حياتها هم اللي محددين لها طريقها. السيناريست محمد رجاء اعتمد على التفصيلة دي، وبكده أضاف للفيلم حيوية وعمق كبير.
الشخصيات دي في “رحلة 404” بتشتغل زي الأسئلة في امتحان كبير لغادة وكمان للطارقين (محمد فراج ومحمد ممدوح)، وشهيرة (شيرين رضا)، وراجل الأعمال اللي خانته مراته (خالد الصاوي). هما بيحاولوا يتطهروا ويغيروا من نفسهم. الطريقة الذكية اللي الشخصيات دي اتعرضت بيها في الفيلم بتخلينا متأكدين إن المؤلف ما اختارهمش عشان يحلوا المشاكل الدرامية بسهولة، دول عناصر أساسية في القصة.
واهتمام المخرج هاني خليفة بالتفاصيل وكثرة الشخصيات ده جزء من ستايله الفني. هو مش بيعمل أعمال كتير، بس بيختارها بعناية وبيركز على الجانب الفني جداً. ومحمد رجاء، اللي كتب السيناريو، بيستخدم الحوار بطريقة مباشرة عشان يورينا معلومات عن الشخصيات وماضيها، وبيكشف عنهم في أوقات مهمة في القصة لغاية ما نوصل لمشهد النهاية. وكان لازم الممثلين يكون أداءهم على نفس المستوى، حتى اللي بيظهروا في مشاهد قليلة، عشان كل واحد فيهم بيساهم في خلق الصورة الكاملة للفيلم. والفيلم كمان بيكسر الصورة النمطية اللي كانت موجودة في أعمال الممثلين الأخيرة. نجوم زي خالد الصاوي ومحمد فراج بانوا بشكل مختلف ومميز. ومنى زكي وحسن العدل وسماء إبراهيم وشيرين رضا ومحمد علاء قدموا أداء متفوق يليق بتوقعات الجمهور ويبرز موهبتهم في التمثيل.
“فيلم “رحلة 404” ما بيميلش للوعظ الزايد، هو أكتر بيهتم يورينا الطبيعة الإنسانية ويفككها، وبيحفز المشاهد يتفاعل معاها. الفيلم بيتجنب الأحكام الأخلاقية اللي كانت ميزة في السينما الوعظية عندنا، واللي بتصور الشخصيات المثالية اللي بتحكم على الناس وتحملهم العار. على الناحية التانية، الفيلم بيدي فرصة للتغيير والتحول، بيظهر تعاطفه مع اللي بيحاول يصلح أخطاؤه، ومش بينزل اللعنات على الشخصيات الشريرة. الطريقة دي بتخلي الفيلم واقعي ومقبول أكتر من المشاهد في القرن الحادي والعشرين، ومش بيستغل الأخلاق والدين كوسيلة للخلاص بس، ده بيستخدمهم كأدوات للتقويم وتصحيح المسار.
الفيلم كمان بيستخدم رموز بصرية وإشارات واضحة في وعينا الجمعي زي رحلة الحج وغطس غادة في البحر، والممر الضيق اللي بينتهي بنور، اللي بيعتبر رمز للعبور للنجاح أو الخلاص. الأساليب دي بتكسر الصورة النمطية لمهن زي الجنس وبتوري رغبة صناع الفيلم في تجنب التناول الوعظي التقليدي.
الفيلم ده مثال على السينما الفنية اللي بتاخد القضايا بجدية وبتتعامل معاها بعمق، من غير ما تلجأ للأحكام المسبقة أو الأساليب السطحية اللي كانت موجودة في أفلام أواخر التسعينات ومع النجوم الشباب.”