مع نهاية ٢٠٢٣ يسيطر الراب سين المصري علي المشهد الموسيقي في مصر، والسؤال هنا يطرح نفسه من هؤلاء؟ ويجز وبابلو ورفاقهما؟ جيل مختلف تمامًا، على مستوى الموسيقى واللغة والذوق، جيل ينتزع حقه في الظهور عنوة.
لا نريد أن نتحدث باسمهم، فهم قادرون على التحدث بلسانهم، قادرون بشكل مبهر، وقادرون – بأرقام المشاهدات – على صنع موجة موسيقية جديدة في مصر، لها جمهورها ومعجمها الخاص.
في هذا التقرير نقدم لكم هذا الجيل من خلال 10 أغانٍ، هي بين الأعلى مشاهدة ضمن أغاني الراب والتراب المصري على موقع يوتيوب، حاولنا في هذه القائمة التركيز على أغاني الراب الفردية، وابتعدنا عن الدويتوهات أو الأداءات الجماعية عامةً. كما ابتعدنا أيضًا عن الصراع الفني الدائر حاليًّا أو “الديسات” بلغة الراب.
التفسيرات التي سنسردها متأثرة بمحتوى الأغنيات على مستوى الكلمة والصورة، وأخيرًا بعدد محدود من اللقاءات التليفزيونية التي تحدث فيها أفراد هذا الجيل بأنفسهم.
لكل أغنية حكاية، ولكل بطل من هؤلاء الشباب شخصية فنية أو بيرسونا، إذا دققنا قليلًا فسنراها وسنرى دلالتها.
١. دورك جاي – ويجز
الأغنية التي بدأت كمعركة لويجز مع الممثل المصري محمد رمضان بعد سرقة رمضان مجهود ويجز وإعداده لأحد الحملات الإعلانية لأحد شركات مشروبات الطاقة، تحولت عقب ذلك للنشيد الرسمي لعام ٢٠٢٠، ويجز أصبح الفنان المصري الأكثر استماعًا في العام كله على منصة سبوتيفاي، وأصبح وجهًا واسمًا شهيرًا وضيفًا على برامج التليفزيون المصري، بل مغنيًا جنبًا إلى جنب مع روبي أمام أعين إسعاد يونس.
ويجز قبل كل هذا هو الشاب صاحب الواحد والعشرين عامًا، ابن حي الورديان بمدينة الإسكندرية، والذي يعتمد على شخصية فنية متماسة تمامًا مع هذا الحي السكندري الشعبي، صاحب اللغة الخاصة للغاية والغريبة على أذن معظم سكان المحروسة، اللغة التي جعلت كلمات ويجز وشرحها ضمن أكثر كلمات البحث شيوعًا على محرك بحث جوجل.
ببساطة تامة، ويجز هنا وهو يتراقص بملابس تشبه النسخة المصرية من ملابس ستار وورز، يخاطب رمضان ومن ورائه فناني التيار الرئيسي في مصر، يخبرهم في جملتين هو وجيل المستقبل، “على قفاك اللوجو وجسمك ولا يغر”، وثانيًا “على التليفزيون وعلى الثبات، مفيكوش الرجا في أكشنات”. والمعنى واضح للغاية.
أغنية دورك جاي حصدت حتى تاريخ كتابة المقال أكثر من ٨٤ مليون مشاهدة على يوتيوب مكتسحة اغنية كيفي كدا الترند الأول في مصر ٢٠٢١ .
٢. ٢١ – ويجز
لا زلنا مع ويجز، المتحدث باسم مشاكل الشباب في الراب سين المصري، الشاب البسيط، صغير السن، حاد اللسان، الذي يرى فيه العديد من الشباب في هذا الجيل معبرًا عنهم.
في تراك ٢١، يخبرنا ويجز “٢١ ولساني ٦٠ ولساني سكين”، “لسه بكتب أغنية بحط فيها الآمال والهم اللي فيَّ”، الأغنية تبدأ بشاب مصري صغير السن، تم ضربه والتعدي عليه بشكل وحشي، يسيل الدم من كل شبر فيه، لكنه على الرغم من ذلك يقف على قدميه، يظل يبحث عن طريقة للبقاء على قيد الحياة، يحاول الجري والهرب حتى تنتهي الأغنية.
ويجز يتعرض للدس من الجميع تقريبًا، لكنه لم يرد أبدًا، هو أحد أصغر الفنانين في هذا الجيل، وهو أكثرهم حصدًا للمشاهدات دون منافس، وهو أيضًا أحد أكثرهم خصوصية على مستوى اللغة.
تراك ٢١ حصد أكثر من ١٧ مليون مشاهدة على يوتيوب حتى اليوم، لويجز أغنية أخرى أعلى على مستوى المشاهدات هي “الغسالة”، لكنها خارج قائمتنا لأنها في الأساس أغنية فيلم.
في حقيقة الأمر لويجز تراكان آخران طبقًا للمشاهدات يجب أن نذكرهما في هذه القائمة، وهما “باظت خالص”، بـ ١٣ مليون مشاهدة التي أخبرنا فيها أن “الدنيا فيلم الناظر وأنت عاطف”، وأحدث تراكاته “مش فير”، بما يقرب من ١١ مليون مشاهدة، لكننا مضطرون للتغاضي عنهما حتى تصبح القائمة أكثر تنوعًا.
3. شيراتون – مروان موسى
مروان موسى هو صاحب بيرسونا الشاب المصري الألماني الوسيم في الراب سين المصري، الشاب الذي «كل البنات بتحبه كل البنات حلوين»، لكنه على جانب آخر أحد أنجح أفراد هذا الجيل، وأكثرهم احترافية وغزارة على مستوى الإنتاج.
في تراك شيراتون ينقل لنا مروان موسى إحساس التراب الغربي، اللغة المتحررة على مستوى المخدرات والجنس، يقول مروان: “معايا موزة، معايا خوخة، جسم متخلف زي قزازة كولا، لما تلف تعملنا دوخة”، وهو كلام يبدو بدون معنًى لك عزيزي القارئ، لكنه صاحب معنًى لجيل يحفظ الإيموجي أكثر من حفظه للأبجدية.
تراك شيراتون حصد ما يقرب من ١٥ مليون مشاهدة على يوتيوب حتى اليوم.
٤. سجارة – عفروتو
عفروتو على جانب آخر هو وريث التراب من أحفاد الغناء الشعبي، وكأنك تستمع لنسخة معدلة من موسيقى عدوية تختلط بموسيقى الراب، عفروتو أيضًا ممثل مسرحي.
في سجارة التي يبدو كأنها صُوِّرت بشكل شبه مكتمل على “سطوح” بيت عفروتو، يحكي لنا حكاية مأساوية للغاية عن غدر الصحاب والجيران وذكريات الأهل، محتوى قريب للغاية من الغناء الشعبي الذي تسمعه في أغاني طارق الشيخ، لكنه يُقدَّم بشكل جديد وبموسيقى جديدة وبكلمات راب تشبه رصاص الآلي.
سجارة حققت حتى اليوم ٩ مليون مشاهدة.
٥. سكو سكو – أبو الأنوار
أبو الأنوار هو صاحب شخصية مغني الراب ذي الحس الساخر في هذا المشهد المشتعل، يرتدي نظارته الشمسية، يجلس مرتديًا الروب في البيت وسط أصدقائه، عيون نصف مفتوحة ونصف مغلقة. يشعرنا بنوستالجيا لأيام MTM.
في سكو سكو يخبرنا أبو الأنوار “وأنا هادي هادي هادي، بكسب دايمًا أصلي عادي عادي عادي، احنا بنعمل مش بنهاتي”.
كلمات خفيفة مبهجة تخلق أجواءً لطيفة في أغاني أبو الأنوارـ، الذي يبدو أيضًا أنه ليس ببعيد عن السخرية من الجيل السابق من الموسيقيين، الذي يصفه في أغنية أخرى بأنه “جيل عمر أفندي”.
سكو سكو حققت حتى اليوم ما يزيد على ٧ مليون مشاهدة على يوتيوب.
٦. غابة – مروان بابلو
كل الأرقام السابقة تسقط أمام مروان بابلو، ببساطة لأن هذا الشاب قد أغلق قناته على اليوتيوب واعتزل الغناء، وهو ما أثر بالتأكيد على كل أرقام أغانيه، لكنه عاد الآن وفي يوم ونصف حقق بأغنية واحدة 4.5 مليون مشاهدة .
إذا كان ويجز هو المعبر عن هموم الشباب الصغير، ومروان موسى هو الشاب الوسيم، فمروان بابلو هو الأب الروحي لموسيقى التراب، وهو أكثر أفراد هذا الجيل كاريزما بلا منافس.
بابلو هو رجل الجميزة، الأغنية الغرائبية التي جذبت اهتمامًا ضخمًا لموسيقى التراب، بابلو هو أيضًا “دماغ شغالة مش بتنام” بكل ما حفزته من سخرية وميمز، وهو في الحقيقة أحد أكثر مغني الراب المصري نضجًا، في أحد حواراته المصورة يخبرنا بابلو أن مغني الراب في مصر يغنون بعضهم إلى بعض، لكي يثبتوا من فيهم أكثر “صياعة”، لكنه على جانب آخر يريد أن يغني للمستمع العادي الذي يسمع “عمرو دياب أو مهرجانات”، يريد أن يدفعه لكي يضع أغنية راب في قائمة الأغاني التي يستمع لها على تليفونه المحمول.
غابة التي عاد بها بابلو تبدأ بـ “السلام عليكم اظهر يا مختفي”، وتنتهي بمقطع مستوحى بصريًّا من تحفة داود عبد السيد السينمائية “أرض الخوف”، مع كلمات “ده الموضوع وديا الغريزة بإيدك وسنانك ومتحلش الفريسة”.
٧. فولكلور – مروان بابلو
نستمر مع بابلو، وهنا مع أغنية فولكلور، التي تمنحنا فرصة جديدة للحديث عن سمة مشتركة في أغاني هذا الجيل المصورة. حيث الالتزام بالتصوير في مواقع تصوير حقيقية، نرى مصر الحقيقية بعيون هذا الجيل، بدأت الكليبات بالطبع بإمكانيات محدودة للغاية وباستخدام كاميرا التليفون المحمول، ثم وجد هذا الجيل ضالته في كاميرات الديجيتال، وتعاونوا مع مصورين من جيلهم لصناعة فيديوهات حقيقية من أسفل كوبري أكتوبر، أو من محور صفط اللبن، وبالتأكيد من الحاضرة في إسكندرية والكورنيش وأبو قير، وليست من استديوهات أو شواطئ أوروبية كما يفعل مطربو التيار الرئيسي.
بالحديث عن كورنيش إسكندرية فلا نغفل هنا تراك Free ، الذي يعتبره كثيرون من بينهم كريم أخي الأصغر ومرشدي في عالم الراب من بين أفضل تراكات بابلو ومشهد الراب المصري في هذا الجيل عموماً.
بابلو في فولكلور حقق ٥ مليون مشاهدة حتى اليوم، أما في Free فقد حقق ٣ مليون مشاهدة، مع الأخذ في الاعتبار أن قناة بابلو على يوتيوب قد أعيد فتحها في يوم ٢٤ فبراير ٢٠٢١.
٩. صوت بجع – شاهين
شاهين هو الصوت الغاضب في مشهد الراب المصري، أقدم من ويجز وبابلو ورفقائهما، مر بتحولات، لكنه ظل مطرب الراب الذي يقدم نفسه بأنه لم يتغير ولا يزال منتميًا للبسطاء والشارع، شاهين في صوت بجع غاضب وحزين، يتحدث عن الفقد الشخصي والمهني، ولا يختار كلمات رقيقة الملمس، على العكس تمامًا.
لشاهين تأثير كبير في العديد من أبناء هذا الجيل، وقد حقق تراكه صوت بجع الذي يبدأ بحديث موجه لباقي مغني الراب في مصر قائلًا: “سيبوني عايزين مني إيه، مبقاش عندي اللي أزعل عليه”، ما يزيد على ٥ مليون مشاهدة على يوتيوب حتى اليوم.
٩. ولا – أبيوسف
أبيو، أو أبيوسف، كبير الراب السين المصري سنًّا، الذي ظهر مع كثيرين منهم في خطواتهم الأولى، بل يقال إنه علم بعضهم كيفية غناء الراب أو كتابته، على الرغم من ذلك فهو متأخر كثيرًا، ومحاصر تمامًا في بيرسونا الأخ الأكبر.
أبيوسف يكتب كلمات غاضبة، ولكنها لا تسير في إطار واحد أو حكاية واحدة، دائمًا تسير في اتجاهات متعددة، وهو دائمًا كأنه يغني لباقي مغني الراب.
في أغنية ولا التي حققت ٤ مليون مشاهدة يوتيوب حتى اليوم يوجه أبيو طلقات في وجه كل من يفكر في منافسته، ويسانده في ذلك موسيقى مميزة للغاية، ريتم يصلح تمامًا لهز الرأس والقفز، وهما لب تجربة الراب.
١٠. البوصلة – مروان موسى
نختتم بمروان موسى وهو يقدم وجهًا آخر يساند وصفه لنفسه بأنه أحد أكثر مغني الراب في مصر اكتمالًا، في بوصلة التي حققت ٦ مليون مشاهدة على يوتيوب حتى اليوم، نرى وجهًا مغايرًا لتراك شيراتون، هنا مروان يقدم تراك راب رومانسيًّا هادئًا للغاية، يقول مروان: “بحر كبير، مش عامل صوت، نور القمر سايح على الموج، بنموت م الخوف، ونخاف م الموت، كلها شوية نطلع على فوق”.
مروان يمكنه الكتابة ليتحدث بصوت الناقم على الحياة، كما يمكنه الكتابة بصوت الشاب الصاخب مرتاد الحفلات ومحب الرقص، ويمكنه أيضًا كتابة تراكات لـ “نكش” صناع الراب الآخرين، ولكن هذه حكاية أخرى.
هؤلاء هم صناع موسيقى الراب، جيل معظمه في أوائل العشرينيات يغني لجيل ما حول العشرينيات، حاول أن تفهمه أو لا تحاول، فهو جيل مليوني على أي حال.