لو كنت من مواليد التسعينات أو أوائل الألفينات، فأكيد شارات الكرتون بتاعة سبيستون ليها مكانة خاصة في قلبك. الأغاني دي مش مجرد شارات كرتون بتبدأ الحلقات، دي كانت ذكريات، دروس، وألحان علّمتنا حاجات كتير عن الحياة وإحساسنا بالعدالة والإنسانية. وكل ما نسمع أغنية من الأغاني دي، بنرجع لأيام الطفولة الجميلة اللي كان صوت طارق العربي طرقان فيها جزء من تفاصيلنا اليومية.
ليه كل شارة ليها طعم؟
عارف الإحساس لما تسمع أغنية تفكرك بوقت جميل كنت بتحبه؟ ده بالضبط اللي بنحس بيه لما نرجع نسمع شارات زي “ماوكلي”، “سيمبا”، أو “أبطال الديجيتال”. اللي بيميز الأغاني دي عن أي شارات تانية هو إنها مكتوبة بلغة عربية فصحى، لكن بطريقة مش متكلفة، بسيطة وسلسة بتدخل القلب.
طارق العربي طرقان كان فاهم إن الطفل مش صغير على إنه يفهم كلمات كبيرة أو جُمل تقيلة، بالعكس، كان شايف إن سماع الطفل للغة سليمة هتزرع جواه حب اللغة وتعلّمه ينطق بشكل صحيح حتى لو مش فاهم كل كلمة وقتها. الفكرة كانت دايمًا إن الطفل يتعوّد على جودة الكلام واللحن، مش إنه يفهم كل حاجة من أول مرة.
“هل شُفت ذئب بيأكل أخوه؟”
دي واحدة من أكتر الجمل اللي علقت في دماغ أجيال كاملة. جملة من شارة “سيمبا” اللي كانت مش بس أغنية، دي كانت تساؤل فلسفي كده بيتكلم عن الخير والشر، وعن الفرق بين عالم الحيوانات وعالم البشر. طارق طرقان عبّر في كلمات بسيطة عن فكرة عميقة جدًا: إن اللي بيغدر ويظلم مش الحيوانات، دي أفعال البشر لما ينسوا الفطرة السليمة.
وفي أغاني تانية زي “ماوكلي”، كنا بنسمع عن “قانون الغاب” اللي مبني على الحب والتعاون، مش الظلم والغدر زي حياة بعض البشر. كلمات زي:
“فلتحذر أن تغتر، استخدم عقلك أكتر”
مش بس أغنية، دي كانت دعوة للتفكير وإعادة النظر في حياتنا وتصرفاتنا.
الألحان اللي مش شبه أي حاجة
المميز في شارات سبيستون إنها مش بس أغاني سهلة التلحين أو “خفيفة”. لا، كل شارة كانت متفصلة على الكرتون اللي بتقدمه. يعني مثلًا أغنية زي “هزيم الرعد” كانت بألحان حماسية وضخمة تناسب الكارتون اللي بيتكلم عن الحرب والشجاعة. وفي نفس الوقت، أغاني زي “عهد الأصدقاء” أو “لا تبكِ يا صغيري” كانت مليانة شجن ودفء يناسب القصص العاطفية اللي بيقدموها.
طارق طرقان كان دايمًا بيخلط بين ألحان شرقية ومغاربية، وده بسبب خلفيته الجزائرية والسورية. كان بيعرف يوظف كل نغمة علشان تليق بالقصة اللي بيتكلم عنها الكرتون. زي مثلًا شارة “سيمبا”، اللي لو ركزت هتحس فيها بنكهة موسيقى أمازيغية مستوحاة من التراث الجزائري.
القوة في الكلمات
عارف لما تسمع شارة زي “صقور الأرض” وتلاقي نفسك بتردد:
“تعاهدنا غدًا سنُعلي راية الفداء”
أو شارة “هزيم الرعد” وتقول:
“بحنيني بدمي أفديكِ، وروحي تُنبت مجدًا”
الكلمات دي مش مجرد أغاني أطفال، دي شبه نشيد وطني بيربي فيك الإحساس بالمسؤولية والانتماء.
طارق طرقان كان فاهم إن الأغاني دي مش مجرد كلمات ولحن، دي رسالة. وعلشان كده تلاقي أغلب شاراته بتتكلّم عن مفاهيم زي النضال، الكرامة، الأمل، والعمل الجماعي. كل ده وهو بيخاطبنا وإحنا أطفال، لكن الرسائل دي بتفضل تكبر جوانا وإحنا بنكبر.
اللغة في القلب والموسيقى في الروح
طارق طرقان مش بس كان مهتم بالكلمات، لكنه كمان كان بيهتم إن الألحان نفسها تكون مختلفة ومليانة تفاصيل. هو كان بيحب الشعر وأوزانه، وده انعكس في الشارات اللي دايمًا كانت متناغمة مع الإيقاعات الشعرية. زي شارة “دراغون بول” اللي كلماتها بتنتمي لبحر المتقارب عشان تناسب القوة والشدة اللي بتتكلم عنها.
وفي شارات تانية زي “بابار”، كان بيكسر أحيانًا الوزن الشعري علشان يناسب اللحن والموسيقى، وده كان بيخلق تناغم جميل بين الشعر والنغمة.
مش بس أغاني كرتون
اللي خلّى شارات سبيستون تعيش لحد النهارده وتبقى جزء من ذكرياتنا اليومية هو إنها كانت أكتر من مجرد أغاني كرتون. الأغاني دي كانت بتعلّمنا عن الصداقة، العدالة، وحب الوطن. شارات زي “أبطال الديجيتال” كانت بتحذرنا من مخاطر التكنولوجيا وعالم الأرقام:
“في فخ غريب وقعنا، في عالم الأرقام ضعنا”
وكأنها كانت بتتكلم عن عصرنا الحالي اللي بقينا فيه عايشين أغلب حياتنا على الإنترنت.
حارس أحلام الطفولة
طارق العربي طرقان مش مجرد مغني أو ملحن، هو صانع ذكريات وأحلام الطفولة اللي لسه محفورة في وجداننا. صوته كان دايمًا مليان أمل، حتى وهو بيغني عن الشدة أو الألم. في حوار ليه، قال طرقان إن أكتر لقب بيحبه هو “حارس أحلام الطفولة”، واللقب ده فعلاً بيعبر عن مكانته عند كل جيل سمع صوته.
ليه بنرجع نسمعه؟
إحنا بنرجع نسمع شارات سبيستون وصوت طارق طرقان علشان بنفتقد الزمن اللي كان الفن فيه رسالة حقيقية. الزمن اللي الأغاني فيه كانت بتتعامل مع الطفل كإنسان ذكي، يستحق كلمات تحترم عقله وموسيقى تغذي روحه.
وفي عالم مليان ضوضاء وأغاني سطحية، صوت طارق طرقان هو زي ما يكون علامة نور بتقولنا: “لسه فيه أمل”. علشان كده، مش غريب إننا بنرجع نسمع الأغاني دي وإحنا كبار. هي جزء مننا ومن ذكرياتنا، ودايمًا بتخلينا نحس إننا مهما كبرنا، لسه جوانا الطفل اللي بيحلم بعالم أحسن.